سورة مريم - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63)}.
التفسير:
الخلف بسكون اللام، الفاسد، الضالّ من الذرية، على خلاف الخلف، بفتح اللام.. فكأن الخلف خلف يجمع بين الخلف والخلف.. وهذا من الصيغ القرآنية العجيبة، التي تزداد بها اللغة ثراء، وتزدان حسنا.
وقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
هو تهديد لهؤلاء الضالين، الذين خرجوا على سنن الفطرة السليمة، كما خرجوا على واجب الولاء والطاعة لآبائهم المكرمين من عباد اللّه، واتبعوا الغاوين والمفسدين من الآباء.
وفى قوله تعالى: {أَضاعُوا الصَّلاةَ} تنويه بشأن الصلاة، ورفع لقدرها إذ كانت الصلاة عماد الدين، في كل شريعة، وكل ملة.
وقد نوه اللّه سبحانه وتعالى بإسماعيل عليه السلام، فجعل دعوته بالصلاة في أهله، رسالة رسول.. {وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ}.
وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وعيد بالعاقبة السيئة التي سيؤول إليها أمر هؤلاء الضالين، الذين أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشهوات.
والغىّ: هو الضلال.. وقد جعل في مقام الهلاك والعذاب في جهنم، لأن القوم كانوا غواة، وأنهم سيلقون هذا الغىّ، وسيجدونه حاضرا يوم القيامة، وبه سيردون مورد الهلاك، وبه يصلون العذاب! قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}.
هو استثناء منقطع، و{إلّا} بمعنى {لكن}.
وبهذا الاستثناء يفتح باب النجاة من هذا المهوى الذي هوى فيه الضالون إلى جهنم.. فمن دخل هذا الباب، وتاب عما هو فيه من منكرات وضلالات، وصحّح إيمانه باللّه، فهو من عباد اللّه، الذين سيلقاهم في الآخرة برضوانه، وبجنات لهم فيها نعيم مقيم.
{فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً..}.
وقوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا}.
هو بيان للجنّة، التي ذكرها اللّه سبحانه وتعالى في قوله: {فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} فهى في سعتها جنات، وإن كانت جنّة واحدة.. وهى جنات عدن، أي خلود وإقامة، لا يتحول عنها أهلها أبدا، وهى التي كانت وعدا تلقّاه المؤمنون باللّه من ربّهم في الدنيا، فآمنوا بهذا الوعد على الغيب، دون أن يروه، وقبل أن يتحققوا منه عيانا.. إنه إيمان باللّه، وبكل كلمات اللّه.. فهو إن يكن وعدا، فإنه حاضر في يقين المؤمنين، وهم بهذا الوعد أوثق مما في أيديهم.. {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي آتيا، أو يؤتى إليه الموعودون به.
لا يتخلّف أبدا.. إن لم يجئهم جاءوا هم إليه.
وقوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.
هو وصف لهذه الجنة، أو تلك الجنات، وأن أهلها في أمن وسلام، لا يسمعون فيها كلمة لاغية عابثة، فإن اللغو والعبث هو شغل الفارغين التافهين أما أصحاب الجنة فهم كما وصفهم سبحانه وتعالى: {فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ} [55: يس] وشغلهم هو هذا النعيم الذي يملأ كل لحظة من لحظات وجودهم.
و{إلا} في قوله تعالى: {إِلَّا سَلاماً} بمعنى لكن، أي لا يسمعون لغوا، ولكن يسمعون سلاما.
وفى قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} إشارة إلى أن أهل الجنّة قد تركوا وما هم فيه من نعيم الجنّة، يطعمون منه، وإنما هم مع هذا محفوفون برعاية اللّه، آخذون من عطائه، الذي يلقاهم به بكرة وعشيّا.. فكل ما يناله أهل الجنة من صنوف النعيم، هو رزق من رزق اللّه، المجدّد عليهم، حالا بعد حال.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً} [25: البقرة].
قوله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا}.
الإشارة هنا تنويه بالجنة، التي ذكرت بأوصافها، وأوصاف أهلها في الآية السابقة.
فهذه الجنّة المشار إليها هنا، هى الجنة السابقة، والتقدير تلك هى الجنّة التي جعلها اللّه سبحانه وتعالى ميراثا لمن كان تقيّا من عباده، أي مؤمنا به، مستقيما على أوامر شريعته ونواهيها. فيأتى ما أمر اللّه به، ويجتنب ما نهى اللّه عنه.
وفى التعبير عن دخول الجنة بالميراث، إشارة إلى أن أهلها ممكّنون من كل نعيم فيها، يتصرفون فيه كيف يشاءون، كتصرف الوارث فيما ورث.
لا يبخل على نفسه بشىء منه، إذ كان ذلك الميراث من غير كسبه، بل جاءه صفوا عفوا.
والجنة، هى ميراث للمتقين، لم يكن نزولهم منازلها إلا برضوان اللّه، ورحمته.. وإلا فإن ما عملوه في دنياهم من طاعات وما قدموه من صالح الأعمال، لا يؤهّلهم لدخولها.. كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف: «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قيل ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى اللّه برحمته».


{وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.
ضمير المتكلم في قوله تعالى: {وَما نَتَنَزَّلُ} يعود إلى الملائكة، المأمورين من قبل الحقّ سبحانه وتعالى بما يتكلفون به من تصاريف في العالم الأرضى.
كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [4: القدر].
والمتحدث عن الملائكة هنا هو جبريل عليه السلام، إذ كان هو الملك الموكّل بالاتّصال بين اللّه سبحانه وتعالى وبين رسله الكرام، والمأذون له بالحديث إليهم. أما غيره من الملائكة فلهم شئون أخرى.
وقيل في سبب نزول هذه الآية، أن الوحى قد احتبس عن النبىّ صلى اللّه عليه وسلم مدة، حتى وجد الوحشة في نفسه، وحتى لقد قالت قريش إن ربّ محمد ودّعه وقلاه.. وإلى هذا يشير قوله تعالى: {وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى}.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الآيات السابقة ذكرت الأنبياء والرسل، وهم الذين أنعم اللّه عليهم من عباده بالرسالة، واختصهم بالنبوّة.. وإذ كان الملائكة هم السفراء بين اللّه سبحانه وتعالى وبين رسله، فإنه في هذا المقام قد يقع في تصوّر بعض المشركين أن يتنزّل عليهم الوحى وأنّهم إذا عبدوا الملائكة أو تقربوا إليهم، قد يكون لهم ما كان لهؤلاء الأنبياء، ومنهم محمد صلوات اللّه وسلامه عليه، الذي يحدّث قريشا بأنه يوحى إليه من ربه!- فكان قوله تعالى: {وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} قطعا لهذه الأمانىّ الباطلة، التي يمنّى بها بعض المشركين أنفسهم، حتى لقد قالوا ما حكاه القرآن عنهم: {لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [31: الزخرف] وما حكاه عنهم في قوله سبحانه: {لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} [21: الفرقان].
وقوله تعالى: {لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ} إقرار من الملائكة بما للّه سبحانه وتعالى من سلطان مطلق، لا يملك أحد معه شيئا، حتى أقرب المقربين إليه، وهم الملائكة.. إن اللّه سبحانه وتعالى يملكهم، ويملك كل ما يعملون فيه.. في ماضى أمرهم، ومستقبله، وما بين ماضيه ومستقبله.
وقوله تعالى: {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} هو مما أعلته الملائكة عن علمه سبحانه وتعالى وقدرته.. وأنه جلّ شأنه لم يكن عن نسيان منه، هذا التأخير فيما يوحى به إليك أيها النبىّ.. تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.. وإن هذا التأخير لحكمة يعلمها اللّه، وعن تقدير قدّره.
قوله تعالى: {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ.. هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.
هو عرض لبعض قدرة اللّه، وبسطة سلطانه.. وأنه سبحانه ربّ السموات والأرض وما بينهما، وما فيهما من عوالم ومخلوقات.
ولهذا فهو وحده- سبحانه- المستحقّ للعبادة.. {فَاعْبُدْهُ} أيها النّبىّ {وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ} أي وطّن نفسك على العبادة وحمل أعبائها.. فهى تكاليف، لا يقوم بها على الوجه الأكمل إلا من راض نفسه على الصبر.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} [45: البقرة].. وما يشير إليه قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها} [132: طه].
وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} استفهام يراد به نفى الشبيه والمثيل للّه سبحانه وتعالى.. والسّمىّ، هو الذات المسماة باسم من أسماء الألوهية، مثل الرّبّ، والإله.. ونحو هذا، فهذا المسمّى وإن أخذ الاسم فإن هذا الاسم، لا يعطيه شيئا مما للّه سبحانه وتعالى، من قدرة، وعلم، وحكمة، وإحياء، وإماتة وغير هذا مما تفرّد به المولى، جلّ وعلا.
قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}.
هو إنكار لهذا القول المنكر الذي يقوله الذين لا يؤمنون بالبعث، وهو استبعادهم أن يبعث الموتى، بعد أن تبلى أجسادهم، وتحلل وتصير ترابا.
والإنسان هنا ليس إنسانا بعينه، وإنما هو جنس للإنسان، يدخل فيه كل من يقول هذا القول، ويعتقده.
وقوله تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}.
هو ردّ على هذا الإنسان الذي يمثل الإنسانية الضالة المنكرة للبعث، التي يقال على لسانها هذا القول: {أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا؟} أفلا يذكر هذا الإنسان كيف كان خلقه؟ ثم ألا يذكر أين كان هو قبل أن يولد؟ لقد كان عدما، لا وجود له، ثم صار هذا الكائن الذي يقف من ربّه موقف المحادّ المحارب؟
ثم لينظر هذا الإنسان: أخلق مخلوق من عدم.. أهون، أم خلق مخلوق من بقايا مخلوق؟ لينظر في هذه القضية على مستواه البشرىّ، وسيرى أن إيجاد شيء من عدم مستحيل استحالة مطلقة، أما إيجاد شيء من حطام شىء، فهو واقع في حدود الإمكان، المتاح للإنسان..!!
فإذا كان ذلك كذلك في حدود الإنسان، المخلوق، الضعيف.. أفيعجز اللّه القادر القوىّ، الذي خلق الإنسان من عدم- أن يعيد هذا الإنسان مرة أخرى، بعد أن يرجعه إلى العدم، أو ما يشبه العدم؟.
{وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا.. وَنَسِيَ خَلْقَهُ.. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ.. وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [78- 79: يس].
قوله تعالى: {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا..}.
الخطاب هنا للنبىّ، صلوات اللّه وسلامه عليه، وفى القسم له بربّه وإضافته إلى ربّه، تكريم عظيم له، واستدناء له من ربّه، وإفضاء إليه بهذا الخبر، الذي يردع الظالمين ويفزعهم.
فهؤلاء المشركون، الضالون، المكذبون بيوم الدّين، سيحشرون مع الشياطين، حشرا واحدا، يجمع بينهم.. إذ كانوا على شاكلة واحدة.. ثم هم بعد هذا الحشر مدعرون إلى جهنم، يساقون إليها سوقا، ويجتمعون حولها، جاثين على ركبهم، في هوان وذلة، حيث يشهدون بأعينهم المنزل الذي سينزلونه منها! قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا}.
ننزعن: نخرجنّ، والنزع إخراج الشيء بشدة وقوة، وقهر.
والشيعة: الجماعة على رأى واحد، يلتقون عنده، ويتناصرون عليه.
والعتىّ: العتو، والمشاقّة، والخلاف القائم على الظلم.
والصّلىّ: الاصطلاء بالنار والقرب منها، والمراد به هنا: الاحتراق بها.
والآيتان تصوران بعض مشاهد القيامة، وما يقع للظالمين، والضالين، من أهوال في هذا اليوم العظيم.
ففى هذا اليوم يحضر المجرمون جميعا، حول جهنّم، جاثين على ركبهم، حيث لا يستطيعون القيام على أرجلهم، مما أصابهم من هول، انحلّت به عزائمهم، وانهدّت منه قواهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ} [45: الذاريات].. ثم إذا اجتمع جمع هؤلاء المجرمين حول جهنم، انتزع من بينهم أئمة الضلال فيهم، وقادة الكفر منهم، ثم يلقى بهم في جهنم، حيث يشهد أتباعهم بأعينهم ما يلقون من بلاء، سيلقونه هم عما قليل، وحيث يرى هؤلاء الأئمة أن زعامتهم وإمامتهم في الدنيا، لم تكن إلّا وبالا عليهم، وأن أتباعهم أحسن حالا منهم، وأن مواقع الضّلال والفتن، وإن كانت كلها سوءا ووبالا، فإن المتأخر فيها خير من المتقدم، والتابع أدنى إلى السلامة من المتبوع.
وفى المثل: كن في الفتنة ذنبا!- وفى قوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} في هذا ما يسأل عنه.
وهو: لم عدّى المصدر عتىّ بحرف الجرّ على الذي يفيد الاستعلاء بمعنى أيهم أشد عتيّا على الرحمن.
وكان يمكن أن يكون النظم هكذا:
{أيهم أشد للرحمن عتيّا} بتعدية المصدر بحرف الجرّ اللام الذي يفيد الملك، ثم التفلّت من هذا الملك!! فما سرّ هذا؟
نقول:- واللّه أعلم- إنّ ذكر الصفة الكريمة {الرحمن} هنا، دون صفات المولى جلّ وعلا، كالقوىّ والعزيز، والقادر- إن هذا يشير إلى شناعة هذا الجرم الذي يتلبس به المجرمون، ويتخذون به موقفا معاديا، ومحاربا، لأرحم الراحمين، الذي لو شاء لمسخهم قردة وخنازير، ولو شاء لرماهم بكل داء، ولأخذ سمعهم، وأبصارهم، وسلط عليهم من الأوبئة ما يجعل أنفاسهم تتقطع أنينا وصراخا.. إلى غير ذلك مما في قدرة اللّه، ومما رأوا منه مارأوا في بعض الناس منهم.
فهؤلاء المجرمون- وتلك رحمة اللّه بهم- يخرجون عن طاعة الرحمن، بل ويحاربونه، بل ويستعلون على الولاء له، والانقياد لأمره.
والصّورة تمثل معركة بين هؤلاء العتاة المجرمين، وبين رحمة اللّه.. حيث تدعوهم الرحمة إلى رحابها، وتفسح لهم الطريق إليها، وهم يتأبّون عليها، ويتفلّتون منها.. فهم في هذا أشبه بالمغالبين لرحمة اللّه، وهذا أسوأ ما يمكن أن تكون عليه حال إنسان.. من شقاء غليظ، لا تنفذ إليه فيه بارقة من رجاء في عافية، أو خروج من بلاء..!


{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا}.
جهنم.. هل يردها الناس جميعا؟
الضمير في واردها يعود إلى جهنم، المذكورة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}.
أمّا الضمير في {منكم} فقد اختلف فيه ويكاد إجماع المفسّرين ينعقد على أن المراد به الناس جميعا، مؤمنهم وكافرهم.. بمعنى أن كلّ إنسان، حتى الأنبياء، والرسل، سيردون النار ويمرّون بها، ويشهدون أهوالها، دون أن يصيبهم منها أذى، بل ستكون بردا، وسلاما عليهم.. ويأتون على هذا الرأى بأحاديث، وأقوال تشهد له!! ثم يقوى من هذا الرأى عندهم قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا}! ثم هم- من جهة أخرى- يدفعون ما قد يثور في النفس من تخوّف على المؤمنين من هذه التجربة التي يمرّون بها، والتي إن سلمت منها أجسامهم، فلن تسلم منها مشاعرهم- هم يدفعون هذا، بأن المؤمنين حين يمرّون بجهنم، ثم يخلصون منها إلى الجنة، يشهدون عظمة النعمة وجلالها، التي أنعم اللّه بها عليهم، إذ عافاهم من هذا البلاء العظيم، الذي رأوه رأى العين!! ونحن نردّ هذا القول، ونأخذ بما هو أولى وأكرم بكرم اللّه، وفضله، وقدرته على إبلاغ نعمته إلى عباده المخلصين، خالصة من كل شائبة أو كدر! فنقول: إن الضمير في {منكم} يعود إلى هؤلاء المجرمين الذين سيقوا إلى جهنم، واجتمعوا حولها جاثين على ركبهم، لم يدخلوها بعد.. ثم ينتزع من بينهم أئمتهم، وقادة الضلال والكفر فيهم، فيلقى بهم في جهنم.. كما جاء في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا}.
وإلى هنا لم يكن قد انكشف أمر الأتباع، المتعلقين بهؤلاء الأئمة.
فجاء قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها} ليكشف لهؤلاء الأتباع عن مصيرهم وأنهم مأخوذون بما أخذ به هؤلاء القادة الذين سبقوهم إلى جهنم! {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.. كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا} أي أمرا قضى به اللّه سبحانه وتعالى على الظالمين، من الكافرين، والمشركين، وأصحاب الضلالات أن يردوا جهنم، وأن يقفوا على هذا المورد الوبيل، كما يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [140: النساء] وكما يقول جل شأنه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [119:
هود] وكما يقول سبحانه: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} [98: الأنبياء].. فجهنم هى الحكم الذي قضى به الحق جل وعلا على أهل الشّقوة من الناس.
ثم إنه ليس يصحّ أن يكون من تكريم المؤمنين في هذا اليوم، وعلى رأسهم الأنبياء، والرسل والصديقون، والأولياء، والأبرار، والشهداء- ليس يصح أن يكون من مظاهر تكريمهم أن يدخلوا في هذه التجربة القاسية، وأن يردوا هذا المورد الجهنمى، وهم إنما سعوا إلى اللّه، وأحبّوا لقاءه، ليخلصوا من أكدار الدنيا.. فهل مما يقع في التصور أن يكون أول ما يلقونه في الآخرة، هو هذا الوجه الكريه المشئوم منها، وهو جهنم؟
وكيف يرد المؤمنون وعلى رأسهم الأنبياء والرسل، هذا المورد الذي لا يرده إلّا الخاطئون، والذي يصفه الحق تبارك وتعالى بقوله عن فرعون:
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [98:
هود]؟
ثم كيف، واللّه سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [101- 103: الأنبياء] فهذا صريح قول اللّه تعالى، فيما يلقى المؤمنون الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى، من كرامة، وتكريم، في هذا اليوم، إنهم مبعدون عن جهنم، لا يسمعون حسيسها.. فكيف يردونها؟ ثم كيف يدخلونها؟ إنه على أي حال دخول في محيط هذا البلاء العظيم، وإن خرجوا منه من غير أن يصيبهم من لظاها أذى! والمثل يقول: حسبك من شرّ سماعه فكيف بلقائه، والانغماس فيه؟
أما قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا}.
فهو معطوف على قوله تعالى: {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا}.
فهذه الآيات تصور موقف الضالين والكافرين يوم القيامة، وما يلقون من بلاء وهوان، وأنهم جميعا واردون جهنم على دفعات.. الرؤساء أولا.. ثم المرءوسون ثانيا.
وفى قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا} بيان لما يكون للمتقين، ولعباد اللّه المكرمين في هذا اليوم من تكريم، حيث يفوزون بالنجاة من هول هذا اليوم، ومن عذابه الأليم.. كما يقول سبحانه {فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [11: الإنسان].
أما أهل الشّقوة فيتركون على ما هم فيه من بلاء وضنك، ونكال، حيث يشهدون بأعينهم هذا الركب الميمون، تزفه ملائكة الرحمن، إلى جنات النعيم، وإلى ما يرزقون فيها من كل طيب وكريم.
وتقديم الفصل هنا في أمر أصحاب النار، على الفصل في أصحاب الجنة، هو الذي تجىء عليه أحداث القيامة يومئذ، حيث يؤتى بالمجرمين أولا. ثم يقضى فيهم بدخول النار.. ثم يجاء بالمؤمنين فيقضى فيهم بدخول الجنة.
وحكمة هذا، هى أن يعجل لأهل النار بالنار، حتى تنقطع آمالهم من أول الأمر، بأن لا مكان لهم في الجنة، وأن لا مطمع لهم في أن يكونوا من الناجين، وذلك مما لا يتحقق، لو بدىء بالفصل في أصحاب الجنة، حيث يعيش المجرمون لحظات تداعبهم فيها الآمال، وتتحرك في نفوسهم الأطماع أنهم قد يكونون في هؤلاء الآخذين طريقهم إلى الجنة، وأن دورهم لم يأت بعد، كما يقول سبحانه: {وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.. وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [46: الأعراف].
وفى تقديم الفصل في أصحاب النار على الفصل في أصحاب الجنة، جاء قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِي ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً..} [69- 73: الزمر].
وجاء قوله تعالى أيضا: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [105- 108: هود].
هذا ويمكن أن تؤوّل الآية الكريمة على وجه آخر، وهو أن قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها} يراد به أهل النار جميعا، على اختلاف حظوظهم السيئة منها.. سواء في هذا من يخلدون في النار من الكافرين والمشركين والمنافقين، أو من كان من المؤمنين، أصحاب الكبائر والصغائر.
ثم يجىء قوله تعالى بعد ذلك: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} محتملا أن يراد به بعض أهل النار، وهم أولئك المؤمنون من أصحاب المنكرات.. فهؤلاء- لا شك- غير مخلدين في النار، وإنما هم فيها أشبه بالمسجونين سجنا مؤقتا، سيخرجون منه حتما بعد استيفاء المدة المحكوم على كل واحد منهم بها.. ثم بعد هذا قوله تعالى: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا} مبينا المصير الذي يعيش فيه الظالمون من الكافرين، والمشركين، والمنافقين، بعد أن انكشف المصير الذي صار إليه من كانوا معهم في النار من عصاة المؤمنين.

1 | 2 | 3 | 4